مجتمع

ليلة الميلاد في لبنان: فرحة خَجولة والجميع يريد “عجيبة رَبّانية”

“هَيدي ليلة عيد الميلاد”، عبارة قالتها ترايسي كرم بصوت عال، وأخذت ترقص بفستانها الأحمر وترندح أغنية “PETI PAPA NOEL”… “لقد تعلّمتها في المدرسة منذ أيام”، رَدّدت هذه الجملة بفرح، ثم اندفعت الى المطبخ كي تساعد أمها في تحضير عشاء العيد، فالليلة مميّزة بالنسبة للأولاد الذين هم في مثل عمرها، خصوصاً أنّ بابا نويل سيحمل إليهم الكثير من الهدايا…

لكنّ الفرح الذي يغمر هذه الطفلة البريئة، لا نشعر به مُتجَلياً بين اللبنانيين، على رغم أننا نعيش فترة الأعياد. فالمتجَوّل بين شوارع المدن الساحلية يتحقّق بأمّ عينه الواقع الاجتماعي المَيؤوس منه، والذي ينعكس سلباً على الحركة الشرائية، خصوصاً الملابس والحلويات والمشروبات الروحية…

وعن هذه الحقائق، التي أصبحت أمراً بديهياً، يُصرّح مدير مبيعات سبينس – أشرفية: “الإقبال على الشراء هذه السنة أقل من السنوات الفائتة، ونحن نلاحظ أنّ الناس تشتري الضروري والأساسي، وهناك منتجات لم يعد بإمكانها أن تشتريها، على رغم أننا نهتمّ بتسويقها بشكل مُمَنهَج وعصري… وهناك “سَحق أسعار” على “بوش الميلاد” و”حَبشة العيد” ومختلف الأصناف كي يتحسّن مَبيعها قليلاً، لكنّ الاقبال على شرائها يبقى خجولاً بشكل عام”.

جينا خويري، صاحبة محل “بابا جينا” للألعاب، تبقى متفائلة قليلاً، فتقول: “من خلال حركة المحل أشعر أنّ الناس “بَدّا تعَيِّد لو شو ما صار”، لذلك الاقبال جيّد لكنهم يشترون الهدايا الرخيصة، على عكس ما كان يحصل في السنوات الفائتة، فهم يشترون مثلاً الـ”poupe” الصغيرة من دون الـ”pousette” وأغراضها، ويكون “راس سعرها” 20000 ليرة أو 30000 ليرة لا أكثر… والملاحظ أنّ “عامّة الشعب” هي التي تبتاع الهدايا هذه السنة، ما يعني أنّ 90 في المئة من اللبنانيين أصبحوا تحت خط الوسط”.

وإذا كان أغنياء لبنان، وهم أصبحوا 15 في المئة، يشترون هدايا الأعياد من الخارج، لأنّ “كل فرَنجي برنجي”، كما يقول المثل الشائع، فإنّ المواطن اللبناني لم يعد لديه مالاً من مدّخراته كي يشتري به عشاء لأولاده في ليلة عيد الميلاد، فكيف يشتري لهم الهدايا؟! هذا الأمر دفع بالكثير من الكنائس الى تقديم هدايا للكثير من العائلات المسيحية وفي مختلف المناطق اللبنانية، هي عبارة عن “مساعدة مالية” كي تعيش أجواء العيد، ويتأرجَح المبلغ بين 200000 ليرة لبنانية و300000 ليرة، بحسب مَقدور كل كنيسة ومطرانية، إضافة الى المساعدات الغذائية التي لم تنقطع منذ تفشّي وباء كورونا بين المناطق اللبنانية… إلّا أنّ هذه المساعدات “الخجولة”، على رغم الحاجة إليها، لا تشتري ملابس جديدة لعائلة مؤلفة من 5 أشخاص… ولا تُشبع جوع الفقراء، وما أكثرهم في هذه الأيام… ومن أين للبناني أن يتعشّى مع عائلته ليلة الميلاد وقد أصبح ثمن كيلو الـRAMBOL AUX NOIX: 420000 ليرة لبنانية؟!.

“وبعدَك عم تسألني عن العيد؟!!” عبارة يرددها الشباب اللبناني في مختلف الأحياء وعلى أرصفة الطرقات… هذا الشباب الذي ذاق مرارة الفقر المدقع منذ أكثر من 7 أشهر، نسمعه يَبتهِل الى الطفل السماوي ويناجيه بخشوع كي يرفع عنه هذه المصائب من خلال “عجيبة ربّانية” أصبح بحاجة ماسّة إليها، بعد أن أعيَاه التفكير في أنّ وطنه سوف يعود الى “بَحبوحَته” السابقة… لذلك نسمعه يردّد: “يا ريت فينا نرجَع لإيّام الوَلدَني… هَيصة وفَرحة وما في عنّا هموم…”.

ما أجمل أحلام الصغار، خصوصاً عندما نراها بعيدة عن واقعنا اللبناني المَعيوش… فليظَلّوا في عالمهم الحالِم، لعلهم يبتعدون عن مشاكل اللبنانيين اليومية وهمومهم التي لن تنتهي…

وأنت أيها الطفل السماوي ترأف بنا من عليائك، واصنَع هذه العجيبة التي يَتلهّف إليها اللبنانيون، لعلنا في السنة المقبلة “نُعَيِّد” عيدك بكل إيمان ومحبة…

طوني طراد

طوني طراد

كاتب وصحافي لبناني. حائز على ماجستير في اللغة العربية من الجامعة اللبنانية. صدر له عدة دراسات سياسية وأدبية ابرزها كتاب "صورة المرأة في شعر ميشال طراد".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى